يقول الشعراني: (فإن قلت: ما علامة القطب؛ فإن جماعة في عصرنا قد ادعوا القطبية، وليس معنا علم يرد دعواهم؟) فكلما يظهر رجل يدعي أنه القطب، ويدعي أنه معصوم، فيفعل ما يشاء، ويستحل ما يشاء من المحرمات، ولا يتقيد بأمر ولا نهي، ولا يلتزم بحضور جمعة ولا جماعة ولا قراءة قرآن ولا طلب علم، ومع ذلك يدعي أنه قطب، أو تدعى فيه القطبية، حتى إذا مات بنيت على قبره أكبر القباب، وأخذوا يطوفون ويدعون ويستغيثون، حتى في حياته يطلبون منه المدد والعياذ بالله، فإذا عثر أحدهم أو ضل أو فقد ضالة فإنه لا يستغيث بالله، وإنما يستغيث به، فيقول: (كثر هؤلاء) وفعلاً كثروا كثرة عظيمة في كل مكان، فكيف نعرف القطب من غيره؟
والجواب أشد من السؤال، قال: (فالجواب: قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه -معنى ذلك أن الشاذلي قطب، وأنه يعرف حقيقة الأقطاب-: إن للقطب خمسة عشر علامة: أن يمد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة وحملة العرش العظيم، ويكشف له عن حقيقة الذات) أي: ذات الله! تعالى الله وتبارك عن ذلك، فهو الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ولا يحيطون به علماً سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن تدرك حقيقته أفهام البشر: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))[الشورى:11]، ومع ذلك يقول: (يكشف له عن حقيقة الذات، وإحاطة الصفات) أي: صفات الله سبحانه وتعالى، (ويكرم بكرامة الحلم، وأيضاً بالفضل بين الموجودين، وانفصال الأول، عن الأول ومن فصل عنه إلى منتهاه وما ثبت فيه) ومعنى هذا: أن هؤلاء يعتقدون بتوالد المخلوقات كما يدعي ذلك الفلاسفة ، أي: أن كلاً منهم ينفصل عن الآخر، أو ينشأ العقل الأول عن الثاني أو الثالث أو عن الرابع، فيكون من علامته انفصال الأول عن الأول، وأيضاً أن يعلم ما انفصل عنه إلى منتهاه، وما ثبت فيه لم ينفصل كما يبدو، يقول: (يعطي -القطب- حكم ما قبل وما بعد، وحكم ما لا قبل له ولا بعد، وعلم الإحاطة بكل علم ومعلوم، ما بدا من السر الأول إلى منتهاه، ثم يعود إليه) والعياذ بالله.
فهذه الأوصاف لا يمكن أن يستحقها أحد إلا الله تبارك وتعالى، ومع ذلك يقولون: هذه من علامات القطب.